قصة الحب في مستشفى جامعي (الجزء السادس)
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قصة الحب في مستشفى جامعي (الجزء السادس)
الجزء السادس
لقد وعدتك بأنك ستعيشين ..
مايا ..
مايا ..
مايا .. أحبك ..
لم يعرف بشار كيف قال لها هذه الكلمة ..
ولكنها خرجت في لحظة انفعال ..
كان يحس أن الأحداث تمر بسرعة الصاروخ ..
أما مايا ..
فأصابها الذهول ..
وضعت يديها على فمها ..
وهي ترفع حاجبيها ..
ثم توردت كلها دفعة واحدة ..
حتى أنها أخذت تمسك قلبها وتقول بصوت خافت :
يا إلهي ..
نظر لها بشار وقال :
مايا .. لا تخشي شيئاَ أنا معك ..
لأول مرة يحس بشار ..
كم هو قريب منها ..
لأول مرة .. يحس أنه في عالم آخر ..
أحس أنه يهوي في عالم بلا حدود ..
في حب بدون كوابح ..
أحس أنه يريد أن يطير ..
إنه سينقذ الفتاة التي يحبها ..
الفتاة التي اعتمرت قلبه كملاك عذب المحيا ..
رقيق المفاتن ..
لإنسانة لو مررت يديها على الورود .. لتفتحت بتلاتها في الشتاء ..
أخذ يتطلع فيها ..
وهي لا تكاد تنظر له من الخجل ..
كان يستلذ بخجلها ..
يحس بها ..
كم هي أنثى عذبة ورائعة بحق ..
تبسم بشار ..
نظرت له وتبسمت ..
وكأنما بريق في العيون تلألأ ..
وكأنما كرة شبه شفافة ..
أخذت تطوقهما ..
وتتسع ..
رويداً رويداً ..
حتى غمرت الكرة الأرضية كلها ..
كان هذا ..
إعلان حب ..
الساعة العاشرة صباحاً ..
بشار يجري في الرواق الغربي من مستشفى نينواه ..
العرق ظهر في وجهه ..
وصل إلى الغرفة ..
دخل إليها بسرعة ..
كانت صغيرة .. لها سقف منخفض ..
وبرودة لا تصدر إلا من تكييف مركزي ..
إضاءة خافتة على جمع غفير كان متوجداً .. وعلى ياقات كل معطف ..
توجد شارة تحمل اسماً وصورة ..
ليكتب فيها اسم الطبيب وصورته ..
وتلك النظرات اللامعة ..
التي تحمل ورائها الكثير من العلم ..
كان الدكتور ميان واقفاً في صدر القاعة ..
أمامه لاب توب من نوع سوني .. ومن وراءه صورة للبروجيكتر ..
مكتوب فيها بالخط العريض ..
Gp53 alpha
ولما شاهد بشار ..
تهللت أساريره ..
أمسك المايكروفون ..
وأخذ يقول ..
دعونا نرحب بالدكتور العبقري الصغير ..
بشار البدري ..
ومجدداً ..
كانت اللغة اليابانية تمسح كل الحروف ..
أحس بشار بالحرج ..
ولكنه وقف هناك محل الدكتور ميان ..
الذي شد على يديه .. وابتسم له مشجعاً ..
كان بشار متوتراً إزاء هذا العدد الكبير ..
من العيون الفاحصة والخبيرة ..
ولكنه وقف .. وشد قامته وقرب فمه من المايكروفون وقال :
صباح الخير ..
اسمي الدكتور بشار البدري ..
المساعد الأول للدكتور ميان منذ أكثر من 8 سنوات في هذا البحث ..
Gp53 alpha
وبمساعدة الدكتور قمت بتطوير عقار خاص ..
سميناه بنفس اسم البحث ..
كما تعلمون ..
إن الجينات التي يحملها الإنسان والتي هي موجودة في كل خلية ..
مزودة ببرمجة عالية الدقة ..
في اختيار وظائفها ..
وكما تعلمون أيضاً أن كل جين مسؤول عن عملية معينة ..
مثلاً الجين Tp53 "الاسم الحقيقي"
والذي يعرف بـ Gp53
يقوم بعملية التدمير الذاتي للخلية ..
في حال عدم الاستفادة منها ..
أو في حال تلفها ..
ويمنع أيضاً انقسام الخلايا بالطريقة المباشرة ..
وبالتالي عدم استمرار النمو ..
إن استمرت خلايانا في الانقسام المباشر مدى الحياة ..
سوف تتضخم أجسادنا إلا ما لا نهاية ..
ولذلك كان موجوداً هذا الجين ليقوم بالحراسة والحماية ..
وكما هو معلوم أن الخلية السرطانية ..
دوماً ما يختفي عندها هذا الجين ..
كان الكل يستمع إليه في خشوع رهيب ..
وكأنما على رؤوسهم الطير ..
بكل اهتمام ..
حتى لو سقط منديل على الأرض لربما كان له صوت مسموع ..
نظر بشار في الحاضرين حتى يرى انفعالاتهم ..
ثم ضغط على لوحة المفاتيح .. لتظهر هذه الصورة ..
وأخذ يقول :
على الجهة اليسرى رسم توضيحي لخليه لم ينشط فيها الجين ..
أما الصورة على اليمين توضح ..
كيف أنه عندما نشط هذا الجين ..
عادت الخلية إلى مسارها الطبيعي ..
إما بأن تقتل نفسها ..
وإما بأن تصلح نفسها ..
وتعدل من وظائفها مرة أخرى ..
وظيفة Gp53 alpha ..
تنشيط هذا الجين من الخلايا المجاورة ..
على أن يدخل إليها بواسطة الانتشار البسيط ..
عن طريق الغشاء السيتوبلازمي ..
ويعمل عملها المفقود ..
وبالتالي يعيد النظام إلى الخلية ..
كان تأثير كلام بشار على الحضور عمل السحر في النفوس ..
الصورة الأولى:توضح شكل الخلايا السرطانية ..
لمقطع مأخوذ في الكبد ..
Hepatocellular carcinoma
أما الصورة الثانية ..
فتوضح بداية تأثير العقار ..
بتكوين فجوة هاضمة ..
vacuoles
مليئة بالعصارات الحمضية الهاضمة
HCl
والصورة الثالثة ..
توضح كيف أن الخلايا تدمرت ..
وبدأت في عملية التدمير الذاتي ..
Auto-phagocytosis
نظر إلى الحاضرين ..
كانت أعينهم تحملق في الصور في رهبة ..
وبعد لحظات من الصمت ..
توقف رجل مسن تبدو عليه علامات الوقار ..
وقال : دكتور بشار ..
جهد رائع اللذي بذلته ..
عندي سؤال هل تسمح لي به ؟
صمت الرجل لبرهة وهو يتأمل نظرات التساؤل في عين بشار ..
فقال : ولكن ألا تظن أن الجين BAX2
له دور في هذه المسألة ..
إن الموضوع لا ينتهي بـ Tp 53فقط ..
أنا أعمل في بحث مطول حول هذا الموضوع من أكثر من 6 سنوات ..
وأظن انه لا يكفي أن ننشط الجين وحده دون بقية الجينات المؤثرة ..
نظر له بشار وقال وقد أحس بتوتر طفيف .. رغم إنه يثق فيما لديه من دراية وخبرة في الموضوع ..
ولكننا قد جربنا هذا العقار ..
أما جين BAX2 فهو خاص بقتل الخلية بطريقة أخرى ..
وإننا لو استطعنا أن ننشط جين واحد على الأقل فإن الأمر كافي ..
المهم أن نوقف المرض وليس أن نستعيد كل أنظمة دفاع الجسم والجهاز المناعي ..
والدلائل بالصور لديك الآن ..
جمع أنفاسه ووجه خطابه للكل ..
كل ما نطلبه أن تتبنى المستشفى تكاليف التجارب الأخرى ..
فقام رجل أصلع الرأس .. يرتدي عوينات ..
وبذلة حريرية فاخرة وقال :
هذه الخلايا آدمية أم لشامبانزي؟
فقال بشار :
لم نستطع أن نوفر شامبانزي ..
فكما تعلمون الموضوع مكلف ويحتاج إلى الكثير من الإجراءات ..
استعملنا الأرنب لأنه قريب جداً من تشريح جسد الإنسان ..
كما أن لجنة حقوق الإنسـ ..
قاطعه ذات الرجل وقال :
عذراً ولكني لن أستطيع أن آخذ هذه النتائج على محمل الجدية بهذه الطريقة ..
أحس بشار أنه في موقف حرج ..
على الرغم من أن نتائج بحثه كانت واضحة ..
ولكن الرجل المسن قال :
لا بل يؤخذ ..
إن هذه النتائج لم يتوصل إليها أحد قبلاً ..
ولابد لنا من التجربة على الأقل ..
لن نخسر شيئاً ..
إن هدفنا خدمة البشر ..
والمحاولة في مداواتهم قدر ما نستطيع ..
وأن نخفف من معاناة الناس ..
كم من إنسان ينتظر مثل هذا العقار حتى ينهي ألمه ومرضه ..
أحس بشار بارتياح بالغ لهذه الكلمات ..
فتابع المسن وهو ينظر لبشار بسلطة من المؤكد أنه يحملها :
أظن أننا سنسمح لك بإكمال التجارب ..
ولكن لن نوافق على إجازتها قبل أن نرى النتائج كاملة ..
إجراءات الشامبانزي قد تستمر لحوالي سنة ..
تستطيع في هذه الفترة أن تبحث في الموضوع ..
وتجري المزيد من التجارب ..
سادت همهمة كبيرة في الغرفة ..
بعدها وقف أحد الحاضرين ..
وقام بالتصفيق ..
صفق الجميع للدكتور بشار ..
الذي وقف في خجل أمام هذا الجمع الغفير من الناس ..
وهو يسمع بعض الأصوات وهي تقول : رائع جداً .. عمل باهر ..
وبعد نصف ساعة .. كان بشار يسير متوجهاً نحو غرفة مايا ..
وهو يحمل في يديه باقة ورد رائعة ..
كان مفعماً بالحيوية ..
سعيداً بما حصل اليوم من إنجاز ..
دق الباب بلطف ..
ثم دخل ووجه مشرق ..
ولكن أمامه ..
كانت كارثة إنسانية ..
كانت مايا ملقاة على الأرض ..
وهي تستفرغ ..
تمزق طرف ملاءتها ..
يبدو أنها سقطت بقوة على الأرض ..
لم يشعر بشار بنفسه وهو يرمي الورود على الأرض .. ويجري نحوها بأقصى سرعة ..
الساعة الثالثة ظهراً ..
بشار في المختبر ..
يجري تحليلاً لعينة حديثة من مايا ..
من ورمها في الكبد ..
الخلايا بدأت تصبح أكثر شراسة ..
المرض في حالة متقدمة للغاية ..
والعلاج الكيماوي لا يفيد ..
قد لا يعرف البعض ..
ولكن العلاج الكيماوي للسرطان ..
مسبب كبير لسرطانات أخرى في الجسم ..
إذا ما الفائدة من العلاج به؟!
تطويل عمر المريض قدر الإمكان ..
وفي ذات الوقت إطالة المعانة ..
هذه حقيقة مؤلمة لأصحاب القلوب المرهفة ..
ولكنها حقيقة ..
لا تروق للحالمين أبداً ..
الواقع يكسر أحلامنا على صخوره الحادة ..
اخذ بشار في نفسه يفكر ..
إنه كان يأمل أن تصمد مايا قليلاً ..
حتى يتمكن من استخدام العقار ..
ولكن مستحيل ..
لا بد لها من علاج سريع ..
لا بد ..
أخذ يحس أنه سيفقد الإنسانة التي يحب ..
ولكنه عزم أمره وقرر شيئاً ما ..
أغلق مصابيح المختبر ..
وتوجه بـخطى ثابتة إلى مايا ..
سأل الممرضة عنها قبل دخوله ..
فقالت : إنها بخير ..
طرق الباب بلطف ..
دخل على مايا التي كانت شاحبة اللون ..
وأخذت ترسم أماها لوحة ..
جاء بشار إليها ..
كانت اللوحة عبارة عن فراشة لتوها خرجت من شرنقتها في تابوت زجاجي ..
نظر لها بشار وقال بألم:
مايا .. لم ترسمين هكذا؟
نظرت له مايا وابتسمت بطيبة لا حدود لها ..
إلهي .. كيف تمشي هذه العذبة في الدنيا ..
دون ألا تسحر العالم من حولها ..
كأنـما هي ملاك أبيض ..
تمسك في يديها النجوم وتوزعها على باقي البشر ..
نظرت في بشار ..
ثم ابتسمت في خجل ..
تأملها بشار ..
ثم جلس جوارها ..
وأخذ يديها ..
ونظر في عينيها بعمق ..
فلم تتحمل هذه النظرة التي حملت معها حنان الدنيا ..
وكأنـما نسي هو الواقع وقال :
أحبك ..
مال رأس مايا إلى الجهة الثانية وهي في قمة الخجل ..
لحظات حتى عاد بشار لواقعه ..
واكتست ملامحه بالجدية وقال :
مايا أريد أن أخبرك بأمر ..
بقيت مايا ووجها في الجهة الأخرى ..
لا يظهر منها إلا شعرها الناعم الفاحم ..
وطرف خدها الوضاء ..
وقالت : سأموت أليس كذلك ؟
صمت بشار .. وأحس أنه عاجز ..
أحس انه لا يقدر على شيء ..
أحس بالقهر ..
ضغط على يديها وقال :
سأنقذك ..
لا تقلقي يا حبيبتي ..
قالها وهو يضمر في نفسه أمراً ..
في صباح اليوم التالي كان بشار متوجهاً إلى وزارة الصحة اليابانية ..
في طوكيو ..
وبعد رحلة بالقطار من أوساكا إلى طوكيو ..
تستغرق 45 دقيقة ..
دخل المبنى الأزرق البديع ..
وبعد أن استقل المصعد الزيتي اللون ..
كان قد وصل إلى رئيس قسم الأبحاث والتطوير الطبي .
دخل المكتب وهو يتنهد في قلق ..
كان الوقت قد شارف على صلاة الظهر ..
حين كان بشار يستقل القطار عائداً إلى أوساكا .. محملاً بـخيبة أمل كبيرة ..
وفي أذنه أخذت ترن كلمات رئيس قسم الأبحاث والتطوير الطبي ..
" لا نستطيع أن نعطيك إذناً بتجربة عقار .. لم يتم التأكد منه .. أرواح الناس ليست لعبة .. نحن هنا في اليابان نهتم بمرضانا ..
تستطيع أن تجرب ما تشاء على من تشاء في بلدك ..
لا أستطيع أن أحملك مسؤولية حياة إنسان ياباني واحد
زفر بشار ..
على الرغم من كل الآمال التي كان يعلقها على هذه الزيارة ..
ولكن كل شيء ذهب أدراج الرياح ..
لم يعرف كيف سيتصرف ..
أحس أنه مشلول مرة أخرى ..
وقهر عظيم ..
وحرقة في صدر عاشق مولوع ..
وإحساس بالألم يتفجر في داخله بأسى ..
كم يتمنى أن يعطيها عمره لتعيش بدلاً منه ..
أحس بدمعة مرة تعتلي جفنه ..
ولكنه أخفاها بمهارة في كمه ..
عاد إلى المستشفى ..
وهو يحمل في صدره غصة لا حدود لها ..
دخل المستشفى ..
بـخطى ثقيلة للغاية ..
حتى استغرب كل من كان يعرفه ..
ما كان بشار يدخل هكذا أبداً ..
لطالما كان المرح والسرور يغمر محياه كلما ..
بل كم وكم وزع أملاً لأصحاب القلوب المحبطة ..
كان محبوباً بحق لظرفه .. وخفه دمه ..
وبساطته وأريحيته في التعامل .
ولكنه ذلك اليوم لم يكن يأبه لشيء ..
لم يكن يأبه إلا أن حبيبته ستموت ..
وهو ..
سيقف متفرجاً على المأساة ..
دخل غرفته ..
وجلس فيها ..
وهو لا يهتم بالأوراق التي داسها بقدمه ..
جلس ووضع رأسه بين كفيه ..
أحس بالمرارة ..
ثم أسند رأسه للجدار ..
وبعد لحظات
راح في شبه غفوة ..
إنها تلك الحالة التي لا تنام فيها ولا تكون متيقظاً ..
تلك الساعة التي تنامها وتحس بعدها بأفظع الآلام في رقبتك ..
وتمر عليك فيها الكوابيس التي لا تتذكرها أبداً ..
نهض بشار وهو يلهث من فرط الإرهاق ..
والعرق يتصبب على ياقة قميصه ..
أحس بحرّ شديد ..
ولكن فكرة ما ..
لمعت في رأسه ..
أخذ ينظر هنالك البعيد باهتمام شديد ..
أخذ يفكر ويفكر ويفكر ..
وأطال التفكير ..
والتمعت عينيه ببريق حاد ..
ولدت في عقله فكرة جهنمية ..
كان مصمماً على إنقاذ مايا وبأي ثمن ..
قام من كرسيه وأخذ يجري ..
حتى وصل إلى غرفة مايا ..
دخل الغرفة ..
نظر إلى مايا ..
التي أخذت تنظر فيه بدهشة ..
أمسكها من كتفيها وقال :
مايا .. هل تثقين في ؟
نظرت له وقالت :
بشار .. ما الموضوع ؟
نظر لها بشار وابتسم لحظة ثم قال : أول مرة تقولين بشار بدون ألقاب ..
ابتسمت مايا وأشاحت بوجهها ..
فقال لها بشار :
لأجل هذه الابتسامة الخجولة ..
أبيع عمري ..
وكان هذا الذي حصل بحق ..
ترى كيف كان ذلك ؟
هذا ما سنراه في الجزء القادم ..
"كيف التشويق بس؟؟؟ "
في الحلقة الجديدة من ..
حب في المستشفى الجامعي
أتمنى أن الجزء كان على قدر المنتظر
أعرف أني تأخرت
سامحوني ..
لقد وعدتك بأنك ستعيشين ..
مايا ..
مايا ..
مايا .. أحبك ..
لم يعرف بشار كيف قال لها هذه الكلمة ..
ولكنها خرجت في لحظة انفعال ..
كان يحس أن الأحداث تمر بسرعة الصاروخ ..
أما مايا ..
فأصابها الذهول ..
وضعت يديها على فمها ..
وهي ترفع حاجبيها ..
ثم توردت كلها دفعة واحدة ..
حتى أنها أخذت تمسك قلبها وتقول بصوت خافت :
يا إلهي ..
نظر لها بشار وقال :
مايا .. لا تخشي شيئاَ أنا معك ..
لأول مرة يحس بشار ..
كم هو قريب منها ..
لأول مرة .. يحس أنه في عالم آخر ..
أحس أنه يهوي في عالم بلا حدود ..
في حب بدون كوابح ..
أحس أنه يريد أن يطير ..
إنه سينقذ الفتاة التي يحبها ..
الفتاة التي اعتمرت قلبه كملاك عذب المحيا ..
رقيق المفاتن ..
لإنسانة لو مررت يديها على الورود .. لتفتحت بتلاتها في الشتاء ..
أخذ يتطلع فيها ..
وهي لا تكاد تنظر له من الخجل ..
كان يستلذ بخجلها ..
يحس بها ..
كم هي أنثى عذبة ورائعة بحق ..
تبسم بشار ..
نظرت له وتبسمت ..
وكأنما بريق في العيون تلألأ ..
وكأنما كرة شبه شفافة ..
أخذت تطوقهما ..
وتتسع ..
رويداً رويداً ..
حتى غمرت الكرة الأرضية كلها ..
كان هذا ..
إعلان حب ..
الساعة العاشرة صباحاً ..
بشار يجري في الرواق الغربي من مستشفى نينواه ..
العرق ظهر في وجهه ..
وصل إلى الغرفة ..
دخل إليها بسرعة ..
كانت صغيرة .. لها سقف منخفض ..
وبرودة لا تصدر إلا من تكييف مركزي ..
إضاءة خافتة على جمع غفير كان متوجداً .. وعلى ياقات كل معطف ..
توجد شارة تحمل اسماً وصورة ..
ليكتب فيها اسم الطبيب وصورته ..
وتلك النظرات اللامعة ..
التي تحمل ورائها الكثير من العلم ..
كان الدكتور ميان واقفاً في صدر القاعة ..
أمامه لاب توب من نوع سوني .. ومن وراءه صورة للبروجيكتر ..
مكتوب فيها بالخط العريض ..
Gp53 alpha
ولما شاهد بشار ..
تهللت أساريره ..
أمسك المايكروفون ..
وأخذ يقول ..
دعونا نرحب بالدكتور العبقري الصغير ..
بشار البدري ..
ومجدداً ..
كانت اللغة اليابانية تمسح كل الحروف ..
أحس بشار بالحرج ..
ولكنه وقف هناك محل الدكتور ميان ..
الذي شد على يديه .. وابتسم له مشجعاً ..
كان بشار متوتراً إزاء هذا العدد الكبير ..
من العيون الفاحصة والخبيرة ..
ولكنه وقف .. وشد قامته وقرب فمه من المايكروفون وقال :
صباح الخير ..
اسمي الدكتور بشار البدري ..
المساعد الأول للدكتور ميان منذ أكثر من 8 سنوات في هذا البحث ..
Gp53 alpha
وبمساعدة الدكتور قمت بتطوير عقار خاص ..
سميناه بنفس اسم البحث ..
كما تعلمون ..
إن الجينات التي يحملها الإنسان والتي هي موجودة في كل خلية ..
مزودة ببرمجة عالية الدقة ..
في اختيار وظائفها ..
وكما تعلمون أيضاً أن كل جين مسؤول عن عملية معينة ..
مثلاً الجين Tp53 "الاسم الحقيقي"
والذي يعرف بـ Gp53
يقوم بعملية التدمير الذاتي للخلية ..
في حال عدم الاستفادة منها ..
أو في حال تلفها ..
ويمنع أيضاً انقسام الخلايا بالطريقة المباشرة ..
وبالتالي عدم استمرار النمو ..
إن استمرت خلايانا في الانقسام المباشر مدى الحياة ..
سوف تتضخم أجسادنا إلا ما لا نهاية ..
ولذلك كان موجوداً هذا الجين ليقوم بالحراسة والحماية ..
وكما هو معلوم أن الخلية السرطانية ..
دوماً ما يختفي عندها هذا الجين ..
كان الكل يستمع إليه في خشوع رهيب ..
وكأنما على رؤوسهم الطير ..
بكل اهتمام ..
حتى لو سقط منديل على الأرض لربما كان له صوت مسموع ..
نظر بشار في الحاضرين حتى يرى انفعالاتهم ..
ثم ضغط على لوحة المفاتيح .. لتظهر هذه الصورة ..
وأخذ يقول :
على الجهة اليسرى رسم توضيحي لخليه لم ينشط فيها الجين ..
أما الصورة على اليمين توضح ..
كيف أنه عندما نشط هذا الجين ..
عادت الخلية إلى مسارها الطبيعي ..
إما بأن تقتل نفسها ..
وإما بأن تصلح نفسها ..
وتعدل من وظائفها مرة أخرى ..
وظيفة Gp53 alpha ..
تنشيط هذا الجين من الخلايا المجاورة ..
على أن يدخل إليها بواسطة الانتشار البسيط ..
عن طريق الغشاء السيتوبلازمي ..
ويعمل عملها المفقود ..
وبالتالي يعيد النظام إلى الخلية ..
كان تأثير كلام بشار على الحضور عمل السحر في النفوس ..
الصورة الأولى:توضح شكل الخلايا السرطانية ..
لمقطع مأخوذ في الكبد ..
Hepatocellular carcinoma
أما الصورة الثانية ..
فتوضح بداية تأثير العقار ..
بتكوين فجوة هاضمة ..
vacuoles
مليئة بالعصارات الحمضية الهاضمة
HCl
والصورة الثالثة ..
توضح كيف أن الخلايا تدمرت ..
وبدأت في عملية التدمير الذاتي ..
Auto-phagocytosis
نظر إلى الحاضرين ..
كانت أعينهم تحملق في الصور في رهبة ..
وبعد لحظات من الصمت ..
توقف رجل مسن تبدو عليه علامات الوقار ..
وقال : دكتور بشار ..
جهد رائع اللذي بذلته ..
عندي سؤال هل تسمح لي به ؟
صمت الرجل لبرهة وهو يتأمل نظرات التساؤل في عين بشار ..
فقال : ولكن ألا تظن أن الجين BAX2
له دور في هذه المسألة ..
إن الموضوع لا ينتهي بـ Tp 53فقط ..
أنا أعمل في بحث مطول حول هذا الموضوع من أكثر من 6 سنوات ..
وأظن انه لا يكفي أن ننشط الجين وحده دون بقية الجينات المؤثرة ..
نظر له بشار وقال وقد أحس بتوتر طفيف .. رغم إنه يثق فيما لديه من دراية وخبرة في الموضوع ..
ولكننا قد جربنا هذا العقار ..
أما جين BAX2 فهو خاص بقتل الخلية بطريقة أخرى ..
وإننا لو استطعنا أن ننشط جين واحد على الأقل فإن الأمر كافي ..
المهم أن نوقف المرض وليس أن نستعيد كل أنظمة دفاع الجسم والجهاز المناعي ..
والدلائل بالصور لديك الآن ..
جمع أنفاسه ووجه خطابه للكل ..
كل ما نطلبه أن تتبنى المستشفى تكاليف التجارب الأخرى ..
فقام رجل أصلع الرأس .. يرتدي عوينات ..
وبذلة حريرية فاخرة وقال :
هذه الخلايا آدمية أم لشامبانزي؟
فقال بشار :
لم نستطع أن نوفر شامبانزي ..
فكما تعلمون الموضوع مكلف ويحتاج إلى الكثير من الإجراءات ..
استعملنا الأرنب لأنه قريب جداً من تشريح جسد الإنسان ..
كما أن لجنة حقوق الإنسـ ..
قاطعه ذات الرجل وقال :
عذراً ولكني لن أستطيع أن آخذ هذه النتائج على محمل الجدية بهذه الطريقة ..
أحس بشار أنه في موقف حرج ..
على الرغم من أن نتائج بحثه كانت واضحة ..
ولكن الرجل المسن قال :
لا بل يؤخذ ..
إن هذه النتائج لم يتوصل إليها أحد قبلاً ..
ولابد لنا من التجربة على الأقل ..
لن نخسر شيئاً ..
إن هدفنا خدمة البشر ..
والمحاولة في مداواتهم قدر ما نستطيع ..
وأن نخفف من معاناة الناس ..
كم من إنسان ينتظر مثل هذا العقار حتى ينهي ألمه ومرضه ..
أحس بشار بارتياح بالغ لهذه الكلمات ..
فتابع المسن وهو ينظر لبشار بسلطة من المؤكد أنه يحملها :
أظن أننا سنسمح لك بإكمال التجارب ..
ولكن لن نوافق على إجازتها قبل أن نرى النتائج كاملة ..
إجراءات الشامبانزي قد تستمر لحوالي سنة ..
تستطيع في هذه الفترة أن تبحث في الموضوع ..
وتجري المزيد من التجارب ..
سادت همهمة كبيرة في الغرفة ..
بعدها وقف أحد الحاضرين ..
وقام بالتصفيق ..
صفق الجميع للدكتور بشار ..
الذي وقف في خجل أمام هذا الجمع الغفير من الناس ..
وهو يسمع بعض الأصوات وهي تقول : رائع جداً .. عمل باهر ..
وبعد نصف ساعة .. كان بشار يسير متوجهاً نحو غرفة مايا ..
وهو يحمل في يديه باقة ورد رائعة ..
كان مفعماً بالحيوية ..
سعيداً بما حصل اليوم من إنجاز ..
دق الباب بلطف ..
ثم دخل ووجه مشرق ..
ولكن أمامه ..
كانت كارثة إنسانية ..
كانت مايا ملقاة على الأرض ..
وهي تستفرغ ..
تمزق طرف ملاءتها ..
يبدو أنها سقطت بقوة على الأرض ..
لم يشعر بشار بنفسه وهو يرمي الورود على الأرض .. ويجري نحوها بأقصى سرعة ..
الساعة الثالثة ظهراً ..
بشار في المختبر ..
يجري تحليلاً لعينة حديثة من مايا ..
من ورمها في الكبد ..
الخلايا بدأت تصبح أكثر شراسة ..
المرض في حالة متقدمة للغاية ..
والعلاج الكيماوي لا يفيد ..
قد لا يعرف البعض ..
ولكن العلاج الكيماوي للسرطان ..
مسبب كبير لسرطانات أخرى في الجسم ..
إذا ما الفائدة من العلاج به؟!
تطويل عمر المريض قدر الإمكان ..
وفي ذات الوقت إطالة المعانة ..
هذه حقيقة مؤلمة لأصحاب القلوب المرهفة ..
ولكنها حقيقة ..
لا تروق للحالمين أبداً ..
الواقع يكسر أحلامنا على صخوره الحادة ..
اخذ بشار في نفسه يفكر ..
إنه كان يأمل أن تصمد مايا قليلاً ..
حتى يتمكن من استخدام العقار ..
ولكن مستحيل ..
لا بد لها من علاج سريع ..
لا بد ..
أخذ يحس أنه سيفقد الإنسانة التي يحب ..
ولكنه عزم أمره وقرر شيئاً ما ..
أغلق مصابيح المختبر ..
وتوجه بـخطى ثابتة إلى مايا ..
سأل الممرضة عنها قبل دخوله ..
فقالت : إنها بخير ..
طرق الباب بلطف ..
دخل على مايا التي كانت شاحبة اللون ..
وأخذت ترسم أماها لوحة ..
جاء بشار إليها ..
كانت اللوحة عبارة عن فراشة لتوها خرجت من شرنقتها في تابوت زجاجي ..
نظر لها بشار وقال بألم:
مايا .. لم ترسمين هكذا؟
نظرت له مايا وابتسمت بطيبة لا حدود لها ..
إلهي .. كيف تمشي هذه العذبة في الدنيا ..
دون ألا تسحر العالم من حولها ..
كأنـما هي ملاك أبيض ..
تمسك في يديها النجوم وتوزعها على باقي البشر ..
نظرت في بشار ..
ثم ابتسمت في خجل ..
تأملها بشار ..
ثم جلس جوارها ..
وأخذ يديها ..
ونظر في عينيها بعمق ..
فلم تتحمل هذه النظرة التي حملت معها حنان الدنيا ..
وكأنـما نسي هو الواقع وقال :
أحبك ..
مال رأس مايا إلى الجهة الثانية وهي في قمة الخجل ..
لحظات حتى عاد بشار لواقعه ..
واكتست ملامحه بالجدية وقال :
مايا أريد أن أخبرك بأمر ..
بقيت مايا ووجها في الجهة الأخرى ..
لا يظهر منها إلا شعرها الناعم الفاحم ..
وطرف خدها الوضاء ..
وقالت : سأموت أليس كذلك ؟
صمت بشار .. وأحس أنه عاجز ..
أحس انه لا يقدر على شيء ..
أحس بالقهر ..
ضغط على يديها وقال :
سأنقذك ..
لا تقلقي يا حبيبتي ..
قالها وهو يضمر في نفسه أمراً ..
في صباح اليوم التالي كان بشار متوجهاً إلى وزارة الصحة اليابانية ..
في طوكيو ..
وبعد رحلة بالقطار من أوساكا إلى طوكيو ..
تستغرق 45 دقيقة ..
دخل المبنى الأزرق البديع ..
وبعد أن استقل المصعد الزيتي اللون ..
كان قد وصل إلى رئيس قسم الأبحاث والتطوير الطبي .
دخل المكتب وهو يتنهد في قلق ..
كان الوقت قد شارف على صلاة الظهر ..
حين كان بشار يستقل القطار عائداً إلى أوساكا .. محملاً بـخيبة أمل كبيرة ..
وفي أذنه أخذت ترن كلمات رئيس قسم الأبحاث والتطوير الطبي ..
" لا نستطيع أن نعطيك إذناً بتجربة عقار .. لم يتم التأكد منه .. أرواح الناس ليست لعبة .. نحن هنا في اليابان نهتم بمرضانا ..
تستطيع أن تجرب ما تشاء على من تشاء في بلدك ..
لا أستطيع أن أحملك مسؤولية حياة إنسان ياباني واحد
زفر بشار ..
على الرغم من كل الآمال التي كان يعلقها على هذه الزيارة ..
ولكن كل شيء ذهب أدراج الرياح ..
لم يعرف كيف سيتصرف ..
أحس أنه مشلول مرة أخرى ..
وقهر عظيم ..
وحرقة في صدر عاشق مولوع ..
وإحساس بالألم يتفجر في داخله بأسى ..
كم يتمنى أن يعطيها عمره لتعيش بدلاً منه ..
أحس بدمعة مرة تعتلي جفنه ..
ولكنه أخفاها بمهارة في كمه ..
عاد إلى المستشفى ..
وهو يحمل في صدره غصة لا حدود لها ..
دخل المستشفى ..
بـخطى ثقيلة للغاية ..
حتى استغرب كل من كان يعرفه ..
ما كان بشار يدخل هكذا أبداً ..
لطالما كان المرح والسرور يغمر محياه كلما ..
بل كم وكم وزع أملاً لأصحاب القلوب المحبطة ..
كان محبوباً بحق لظرفه .. وخفه دمه ..
وبساطته وأريحيته في التعامل .
ولكنه ذلك اليوم لم يكن يأبه لشيء ..
لم يكن يأبه إلا أن حبيبته ستموت ..
وهو ..
سيقف متفرجاً على المأساة ..
دخل غرفته ..
وجلس فيها ..
وهو لا يهتم بالأوراق التي داسها بقدمه ..
جلس ووضع رأسه بين كفيه ..
أحس بالمرارة ..
ثم أسند رأسه للجدار ..
وبعد لحظات
راح في شبه غفوة ..
إنها تلك الحالة التي لا تنام فيها ولا تكون متيقظاً ..
تلك الساعة التي تنامها وتحس بعدها بأفظع الآلام في رقبتك ..
وتمر عليك فيها الكوابيس التي لا تتذكرها أبداً ..
نهض بشار وهو يلهث من فرط الإرهاق ..
والعرق يتصبب على ياقة قميصه ..
أحس بحرّ شديد ..
ولكن فكرة ما ..
لمعت في رأسه ..
أخذ ينظر هنالك البعيد باهتمام شديد ..
أخذ يفكر ويفكر ويفكر ..
وأطال التفكير ..
والتمعت عينيه ببريق حاد ..
ولدت في عقله فكرة جهنمية ..
كان مصمماً على إنقاذ مايا وبأي ثمن ..
قام من كرسيه وأخذ يجري ..
حتى وصل إلى غرفة مايا ..
دخل الغرفة ..
نظر إلى مايا ..
التي أخذت تنظر فيه بدهشة ..
أمسكها من كتفيها وقال :
مايا .. هل تثقين في ؟
نظرت له وقالت :
بشار .. ما الموضوع ؟
نظر لها بشار وابتسم لحظة ثم قال : أول مرة تقولين بشار بدون ألقاب ..
ابتسمت مايا وأشاحت بوجهها ..
فقال لها بشار :
لأجل هذه الابتسامة الخجولة ..
أبيع عمري ..
وكان هذا الذي حصل بحق ..
ترى كيف كان ذلك ؟
هذا ما سنراه في الجزء القادم ..
"كيف التشويق بس؟؟؟ "
في الحلقة الجديدة من ..
حب في المستشفى الجامعي
أتمنى أن الجزء كان على قدر المنتظر
أعرف أني تأخرت
سامحوني ..
سنوات الضياع- •-«[ عضو مجتهد ]»-•
- عدد الرسائل : 622
العمر : 33
رقم العضوية : 30
مزاجي :
معدل تقيم المستوى :
تاريخ التسجيل : 09/04/2008
رد: قصة الحب في مستشفى جامعي (الجزء السادس)
مشكور على الموضوع الرائع
عيون سبسطيه- § مـُـشـْـرِفْ §
- عدد الرسائل : 1978
العمر : 35
رقم العضوية : 11
الاقامة : ارض تدعى (السامره)
مزاجي :
معدل تقيم المستوى :
تاريخ التسجيل : 29/03/2008
رد: قصة الحب في مستشفى جامعي (الجزء السادس)
بديت امل
ضايل كثير
ضايل كثير
همسة حب- •-«[ سبسطية الصمود ]»-•
- عدد الرسائل : 3721
العمر : 33
رقم العضوية : 25
الاقامة : بلاد الله الواسعة
مزاجي :
معدل تقيم المستوى :
تاريخ التسجيل : 03/04/2008
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى